مجزوءة السياسةمفهوم الدولةمنهجية القولة المرفقة بسؤال أو مطلب

“الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة”

انطلاقا من القولة، بين(ي) ما الغاية من وجود الدولة؟

الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة

الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة”

انطلاقا من القولة، بين(ي) ما الغاية من وجود الدولة؟


I. مطلب الفهم

إذا كان الانسان، كما عرفه “أرسطو” كائن اجتماعي وسياسي بطبعه، فهو لا يحقق وجوده الفعلي إلا داخل الدولة، باعتبارها التحقق الضروري للوجود الاجتماعي المنظم. والإطار السياسي؛ القانوني والمؤسساتي الذي يسهر على ممارسة الحكم والسلطة، وإدارة الشأن العام للأفراد والمواطنين بخدمة مصالحهم وتلبية حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق متطلباتهم الضرورية في العيش بما يضمن الحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار الاجتماعي وكذا تمتعهم بمختلف الحقوق والحريات.

ومنه فالدولة بهذا المعنى، وسيلة لتحرير الأفراد من الخوف والعنف والتصرف وفق الدوافع الطبيعية، وأن غايتها الفعلية تحقيق الحرية وصيانة الحقوق الفردية، ولعل هذه من أسمى الغايات المشروعة للدولة، لكن من ناحية أخرى يكشف الواقع والتاريخ أن للدولة منطقا آخر، بحيث تبدو ككيان مستقل وخارج عن إرادات الأفراد والجماعات، وأن هؤلاء ليسوا إلا مجرد وسائل في خدمة الدولة باعتبارها غاية ذاتها، بل أكثر من هذا قد تتحول إلى جهاز  قمعي لممارسة الهيمنة والتخويف، خصوصا عندما تتعارض مصالح الأفراد مع مصلحة الدولة المتمثلة في الحفاظ على سلطتها واستقرارها ووجودها واستمراريتها في التاريخ.

هكذا يطرح التفكير في طبيعة الدولة ومبررات وجودها وغاياتها: مفارقة فلسفية يمكن التعبير عنها من خلال التساؤلات الفلسفية التالية:


II. مطلب التحليل

1. تحديد أطروحة القولة وشرحها

تتجلى الغاية من قيام الدولة منذ الفكر السياسي الحديث (ق17) في تحقيق الحرية للأفراد والمواطنين، وذلك بتخليصهم من رواسب حالة الطبيعة السابقة على ظهور الدولة والمجتمع المنظم سياسيا، والمتمثلة في: سيادة مظاهر العنف والفوضى والحقد والخداع والصراع من أجل البقاء، والاحتكام إلى قانون الغلبة للأقوى، وحرب الكل ضد الكل، الشيء الذي ترتب عنه سيادة مشاعر الخوف على فقدان أرواحهم، وانعدام الشعور بالسلم والأمان.

وكنتيجة لهذا الوضع المزري، جاءت الدولة في التاريخ كنتاج لعقد اجتماعي تم بين الأفراد والجماعات، من أجل التنازل عن حقهم الطبيعي وحريتهم المطلقة في الفعل والتصرف وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم وقراراتهم الشخصية، لإحلال قوة الحق محل حق القوة، والقوانين الوضعية محل قوانين الطبيعة، حتى لا تتعارض حرية الفرد مع الجماعة، فالدولة إذن مؤطرة بغايات سامية كبرى، تتجلى في إحلال الحرية وضمان الحقوق الفردية في التعبير والتفكير والملكية وغيرها من الحقوق المدنية، وبهذا المعنى تكون الغاية الحقيقية من الدولة هي الحرية.

2. تحديد دلالات المفاهيم والعلاقة بينها

تُعرَّفُ الدولة بأنها: “تنظيم اجتماعي سياسي، يكفل النظام والتعايش لمجموعات بشرية توحد بينهم روابط مشتركة ويقطنون رقعة جغرافية خاضعة لنفوذها وسيادتها، وظيفتها ممارسة الحكم وإدارة الشأن العام للأفراد والمواطنين، بواسطة قوانين ومؤسسات ذات سلطة عليا، ومن مهامها كذلك، احتكار العنف والقوة، لضمان وحدة واستقرار الأمة”.

في حين تُعرف الغاية” في الدلالة الفلسفية، بكونها الغَرض الذي من أجله وُجدت الدولة ويقابلها الوسيلة، وتنحصر غايات الدولة في مجموع الفضائل والقيم الانسانية والمبادئ الأخلاقية التي تعمل الدولة على تجسيدها وصيانتها، بحيث يتسنى للأفراد للاستفادة منها بالتساوي، كالحقوق الفردية مثلا.

أما الحرية بالمفهوم السياسي، فهي صفة للوجود الاجتماعي المتمتع بالحقوق المدنية والسياسية المطابقة لإرادة الجماعة والمعترف بها في الدولة والتي يكفلها القانون، كحريه الفكر والرأي والضمير والدين والتعبير وحريه الإسهام في إدارة شؤون الدولة بواسطة ممثلين يختارهم المواطن اختيارا حرا، عن طريق الآليات الديمقراطية كالتصويت والانتخابات.

وبتسليط الضوء على طبيعة العلاقة القائمة بين هذه المفاهيم؛ يتبن أن الحرية بالمفهوم السياسي، تظل من أسمى الغايات التي أنشئت من أجلها الدولة باعتبارها الإطار السياسي الضامن للحرية الواعية التي تؤطرها القوانين والأخلاق.

3. توظيف حجاج مفترض للدفاع عن أطروحة القولة

وتُطالعنا وسائل الإعلام وأحداث ووقائع التاريخ التي ترصد حياة بعض الدول بعدما تعرضت للانهيار السياسي، كيف يتحول وضع المجتمع الذي كان ينعم بنوع من الاستقرار والأمن الاجتماعي، إلى نوع من الفوضى والصراع، يَنخفض معه الشعور بالأمان، وتستفحل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية، فترتفع نسبة الجريمة والعنف ويصبح من الصعب على المواطنين الاطمئنان على حياتهم وحماية أرواحهم وممتلكاتهم… وقد يؤدي مثل هذا الوضع إلى نشوب الحروب الأهلية ونُزوح الناس والأهالي إلى الدول المجاورة طلبًا للحماية واللجوء السياسي باسم الحق في الحياة والهروب من الاضطهاد، وما ذلك إلا بدافع الحاجة إلى الأمن والسلم الاجتماعي وطلبا للحرية المدنية.

ولنا فيما سُمي بثورات الربيع العربي خير مثال على ذلك، حيث أكد واقع بعض الدول العربية مثل: ليبيا وسوريا والعراق سابقًا غداة سقوط النظام السياسي لصدام حسين، كيف أن البشر خارج نظام الدولة والمجتمع المنظم سُرعان ما يُعبرون عن طبائعهم العدوانية ودوافعهم الغريزية، ونزعاتهم الشريرة. وميلهم للعنف والفوضى والإخلال بالنظام العام، لذلك فإن الدولة تمثل الخير الأسمى، وهي التي تكفل النظام والتعايش السلمي للأفراد وتضمن تمتع المواطنين بمختلف الحريات داخل المجتمع.”

III. مطلب المناقشة

1. قيمة الأطروحة:

إن الطرحَ المعبر عنه في القولة يكتسي أهميته وقيمته النظرية من كونه تعبيرا عن القيم والمبادئ السياسية والاجتماعية والأخلاقية، التي نادت بها “نظرية العقد الاجتماعي” وهي نظرية سياسية تؤسس لكيفية نشوء السلطة ومفهوم الدولة والمجتمع السياسي المنظم. مؤكد على ضرورة استحضار العقلانية والديموقراطية، في الممارسة السياسية. هذه النظرية مثلت جوهر فكر الأنوار ، حيث تعالت الأصوات المدافعة عن الحرية وحقوق الانسان (مونتسكيو، فولتير، روسو)، وهي المبادئ التي اتخذت فيما بعد مرتكزا للمناداة بدولة الحق والقانون.

ولعل الثورة الفرنسية التي كانت بدايتها في العام 1789م، بمثابة محاولة لإعادة الاعتبار للإنسان من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، حيث تمت المناداة بمبدأ فصل السلط، وتحقيق المساواة الاجتماعية والديموقراطية، فكانت بمثابة تطبيق عملي لهذه الأفكار، حتى تُوِّجَتْ بإلغاء النظام الملكي المطلق بفرنسا، مُؤسِّسة لنظام جديد يقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وبالتالي يمكن القول: إن الثورة الفرنسية كانت وليدة فكر الأنوار المدافع عن قيم الحرية، وتجسيدا للتغيير الذي دعا إليه فلاسفة ذلك العصر.

2. حدود الأطروحة:

وبالرغم من الأهمية الأخلاقية والاجتماعية المُعلن عنها في أطروحة القولة النابعة من صُلب التصور التعاقدي، إلا أن الدولة وكما يكشف الواقع والتاريخ، ليست دائما وسيلة لتحقيق حريات الأفراد وخدمة مصالحهم، خصوصا وأن هذه الأخيرة عادة ما تكون متعددة ومتناقضة إلى حد الصراع، ومنه يصعب على الدولة تحقيق غايات الأفراد وإرضاء جميع تطلعاتهم، لاسيما عندما تغيب الشروط المادية والموضوعية لتمثيل الإرادة العامة.

بل أكثر من ذلك، حتى الحرية بالمفهوم التاريخي، ليست اختيارا حرا وإراديا للأفراد، بقدر ماهي تحقق لإرادة التاريخ، وتجلي موضوعي للشروط الفكرية والاجتماعية الاقتصادية، فليس الانسان من يختار الدولة، وإنما الدولة تختار ذاتها من خلال الانسان الذي ليس إلا وسيلة لخدمة غاياتها المتمثلة في استمراريتها في التاريخ، فالدولة دائما سارية المفعول في التاريخ، وما يتغير فقط، هي الحكومات وأشكالها، إنها غاية ذاتها، وهذا ما يبرر تضحية الانسان بحياته وممتلكاته في الحرب مثلا، فداء للدولة ذاتها، لا لشيء سوى لأن الدولة تمثل روح الأمة وقدر الأفراد في التاريخ، ناهيك عن هذا، يمكن التساؤل: لماذا عندما تتعارض مصلحة الدولة ومصالح الأفراد الذين قد يعبرون عن احتجاجاتهم وعصيانهم، تضطر الدولة للجوء إلى العنف وتوظيف أجهزتها القمعية والزجرية؟ ألا يعني ذلك بأن غاية الدولة هي الدولة ذاتها وأن الأفراد مجرد وسيلة في خدمة الدولة؟ ثم أليس ذلك بهدف الحفاظ فقط على استمراريتها وهيمنتها؟

3. المناقشة الخارجية:

وللمُضي قُدُمًا في مناقشة أبعاد التصور الفكري والسياسي المُتضمن في القولة، لابد من التذكير بالسياق التاريخي والنظري الذي أفرز “نظرية العقد الاجتماعي”

منذ العصور القديمة حتى أوروبا القرون الوسطى، يصور التاريخ سيادة بعض أشكال الدول التي مارست الحكم والسلطة بشكل مطلق نذكر من بينها، دولة الحق الإلهي والتي كانت تستمد مشروعيتها في الحكم من السلطة الدينية. وكانت ترى أن السلطة التي يتمتع بها الحاكم، وهو بشر، إنما جاءته بتفويض من الله، سواء بشكل مباشر، أي أن الله هو الذي اختار الحاكم ليمثله على الأرض، وهو ظل الله في الأرض، أو بشكل غير مباشر، أي أن الله رتب الأحداث وهيأ الأسباب ليتولى الحكم شخص معين في وقت معين، هذا الشكل من الدول تميز بممارسة الطغيان والاستبداد. إضافة إلى هذا، سادت في التاريخ أيضا، دولة الحق الطبيعي، ومفادها أن الطبقة الغالبة هي التي تملك زمام السلطة وتؤسس الدولة، وتقر القوانين والأعراف التي تنظم المعاملات بين الحاكم والمحكومين. حق القوة والغلبة إذًا هو الأساس الذي تستمد منه الدولة مشروعية وجودها، إنه أشبه بقانون الغاب حيث القوي هو المتحكم في الآخر. إلا أن تأسيس الدولة على هذه النظرية أبان عن تهافتها على مستوى التطبيق، ذلك أن الدولة المؤسسة على القوة والغلبة لا يمكن أن تضمن استمرار وجودها، وبالتالي ممارسة سلطتها بالشكل الذي يرضي المحكومين، ما دام هؤلاء غير راضين عن حكمها.”

وابتداءً من القرن السابع عشر، وما صاحب ذلك من اهتمام كبير بالإنسان ككائن مفكر، قادر على تنظيم حياته وتحقيق حاجاته بوعيه السياسي وإرادته الجماعية، سيبرز على الساحة الفكرية لأروبا، الفلاسفة التعاقديين، وهم فلاسفة عصر الأنوار، الذين ارتبطوا بالأحداث العميقة التي شهدتها أوروبا على جميع المستويات، فبدأت المناداة بالدولة الحديثة وتبلورت “نظرية العقد الاجتماعي”، وهي بمثابة رد فعل على نظرية الحق الطبيعي والإلهي معا. وترى هذه النظرية أن الدولة نشأت نتيجة تعاقد حر بين الأفراد، حيث يتخلون عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح فرد أو هيئة سياسية، شريطة أن تضمن لهم السلم الاجتماعي والحرية، وأن تخلصهم من حالة الخوف التي كانوا يعيشونها في حالة الطبيعة، أي حالة حرب الكل ضد الكل كما وصفها “توماس هوبز”، وهو من الأسماء البارزة لــ “نظرية العقد الاجتماعي”. ففي هذا السياق، يأتي هوبس في كتابه “التِّنِّينْ” بتصور مفاده أن الإنسان قبل قيام الدولة، كان يعيش حالة الطبيعة التي تتميز بحرب الكل ضد الكل، وسيادة العنف والتصرف وفق قانون الغاب والبقاء للأقوى، ولتجاوز هذه الحالة، كان لا بد من تأسيس مجتمع سياسي ترعاه الدولة، يقوم على عقد اجتماعي، يتنازل بموجبه الأفراد عن جميع حقوقهم بإرادتهم لصالح حاكم يتمتع بسلطة مطلقة، فقوة الدولة وسلطتها المطلقة التي يجسدها الملك، هي ضمان للسلم وحماية الناس من الفوضى والعنف.

تستمد الدولة إذن مشروعيتها وتتحدد غايتها في الحفاظ على الأمن وحماية ممتلكات الأشخاص والتزام الجميع بالتنازل عن حق القوة والحرية المطلقة. فأساس مشروعية الدولة في نظره، هو التعاقد الاجتماعي القائم على الاعتراف بالحقوق الطبيعية للجميع في الحياة والأمن، وإذا كان “هوبس” يقول بالعقد الاجتماعي ويرفض نظرية الحق والتفويض الإلهي التي تُرجع أصل مشروعية الدولة لاعتبارات دينية، فإنه يسقط في تقديس أعمى للمَلكية المطلقة، معتبرا إياها أفضل أشكال الحكم، الشيء الذي أدى بكثير من المفكرين إلى انتقاد نظريته، واعتبارها تبريرا لطغيان الحكام في القرن السابع عشر، ولا سيما أسرة “ستيوارت” في القرن السابع عشر في إنجلترا.

أما باروخ سبينوزا في كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة” (1670)، فيرى أن غاية الدولة ليست إرهاب الناس، وجعلهم يعيشون تحت سيطرة العنف، بل الغاية هي تحريرهم من الخوف كي يعيشوا في جو من الطمأنينة والأمان، بمعنى؛ أن الغاية من الدولة ليست هي تحويل الناس إلى وحوش كاسرة، وآلات صماء، ولكن الغاية منها، أن تجعلهم يتمتعون بجميع قواهم الطبيعية والجسمية والفكرية، وأن تُوجههم إلى حياة تسودها حرية الفكر، حتى لا يبددوا قواهم في الكراهية والغضب والخداع، ويتعاملون بدون ظلم أو تسلط تجاه بعضهم البعض. تتمثل إذن المشروعية الحقيقية لقيام الدولة حسب “سبينوزا” في التعاقد الاجتماعي الذي يعبر عن الإرادة الجماعية في ترسيخ قيم الحرية، كما تتمثل في أن تكون السلطة بيد جماعة من الأفراد أو فرد واحد، ويفضل سبينوزا الحكم الديموقراطي، على أساس أن يتنازل كل فرد عن حقه، في التصرف وفق طبيعته وأهوائه الذاتية وشهواته، وأن يخضع كل توجيهاته للعقل وحدة.

وبالرغم من وجاهة التصور التعاقدي في الدفاع عن الحرية وحقوق الانسان، إلا أن الفيلسوف الألماني “هيجل” يوجه سهام نقده لنظرية العقد الاجتماعي، التي تعتبر أن الدولة وسيلة لتحقيق السلم أو الحرية، وهنا يرى هيجل أن الدولة غاية في ذاتها من حيث أنها تمثل روح وإرادة ووعي وتاريخ أمة من الأمم، وتعتبر تجسيدًا للعقل المطلق في التاريخ.

إن الدولة هي النتيجة النهائية للتطور الاجتماعي والمثل الأعلى الذي تسعى إليه كل من الأسرة والمجتمع. من هنا، يجب في نظره التمييز بين الدولة والمجتمع المدني، فهذا الأخير هو الذي يتكفل بخدمة مصالح الأفراد الذاتية المرتبطة بحياتهم اليومية، أما الدولة فهي إرادة عقلية عامة وحرة، ولا يمكن إذًا اختزال الدولة في مجموعة من المواطنين الذين وُجدوا في فترة زمنية معينة، فهي إرادة مقدسة وتعبير عن الروح المطلقة للأمة. ويعتبر هيجل أن النظام الملكي الدستوري هو تجسيد لهذه الروح القومية للدولة، فالملك هو الرمز التاريخي للأمة، لا يملك سلطة مطلقة بل يحكم باسم القوانين الموضوعة.

IV. مطلب التركيب

يتضح انطلاقًا مما سبق عرضه بصدد “الحرية كالغاية من وجود الدولة” أن الإنسان في تحقيقه للحرية والسلام، وسعيه للتمتع بالحقوق المدنية، الفردية والجماعية، كان لابد له من دولة تعاقدية مُلْزَمة بتأمين النظام وجعل الناس يستفيدون بالتساوي من الحقوق التي يتطلعون إليها، التزاما بالواجبات الملقاة على عاتقهم، وبعيدًا عن أشكال الفوضى والعنف التي اقترنت بحالة الطبيعة.

إلا أن الحرية ليست دائمًا مطلبًا سهل المنال، ذلك أن الدولة نفسها التي ينبغي أن تعمل على تحرير الناس من الخوف وإمتاعهم بالحرية والأمان هي نفسها من يكشف التاريخ ممارستها للهيمنة والتسلط أحيانا، غير آبهة لحريات الأفراد ومصالح الناس تحقيقًا لغاية خارجة عن إراداتهم، هي الدولة نفسها. هذا التناقض بين الدولة وغاياتها، يرسمه الصراع الدائم للإنسان في التاريخ حول السلطة، وهنا يمكن التساؤل من جديد: إذا كانت الدولة هي التحقق الضروري للوجود الاجتماعي وهي من تسهر على ممارسة الحكم وإدارة شؤون المجتمع بواسطة السلطة السياسية، فما هي أشكال الممارسة السياسية للدولة؟ وهل ينبغي للدولة في سعيها إلى ذلك أن تنهج أسلوب القوة والعنف وعدم الالتزام بالعهود، أم من واجبها الأخلاقي أن تضع مصلحة الفرد والمجتمع فوق كل اعتبار وأن تمارس الحكم والسياسة بالاحتكام إلى الآليات الديمقراطية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى