مفهوم الشخص

المحور الثاني: قيمة الشخص | الشخص بوصفه قيمة (2)

تحيل "قيمة الشخص" على مجموع الاعتبارات والخصائص الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، التي تجعل النظر إلى الشخص بوصفه ذاتا تستوجب الاعتبار والتقدير والاحترام وتحتل مرتبة عليا وقيمة سامية في الوجود.

على عكس الموجودات الأخرى كالمواضيع والأشياء التي تعتبر ذات قيمة نفعية واستعمالية، يحضى الشخص بقيمة سامية في الوجود، تمنحها إياه طبيعته الإنسانية والأخلاقية، وما يحوزه من خصائص ومقومات جوهرية، عقلية ووجدانية (عقل، وعي، إرادة، حرية، كرامة…) الشيء الذي يُكسبه وعيا أخلاقيا باعتباره ذاتا وليس موضوعا، وبما أن الشخص أيضا كائن اجتماعي، فهو لا يستمد قيمته من ذاته الفردية المنعزلة وفقط، بل يستمدها أيضا من علاقته بالمجتمع الذي يوجد فيه وانخراطه فيه، وهكذا يكون الشخص حاملا لقيمة أخلاقية واجتماعية، يبدو من جهة أنه يستمدها من خصائصه ومقوماته الذاتية، ويبدو من ناحية ثانية أنه يكتسبها في إطار الحياة الاجتماعية المشتركة، ومن مدى تعاونه ومشاركته وانفتاحه على الغير والآخرين. هكذا نكون أمام إشكالية فلسفية يمكن التعبير عنها وصياغتها من خلال التساؤلات الفلسفية الآتية:


“إمانويل كانط”  (1804-1724) فيلسوف ألماني، من أهم مؤلفاته: “نقد العقل الخالص” “نقد العقل العملي” “نقد ملكة الحكم” وعموما يوصف بفيلسوف النزعة الأخلاقية.

خطاطة شرح نص كانط قيمة الشخص
معاينة الخطاطة بالحجم الكامل
  • قيمة مبتذلة: قيمة استعمالية نفعية، كالتي نضفيها على المواضيع والأشياء.
  • القيمة: قيمة الشيء في اللغة قدره، وقيمة المتاع ثمنه، وتطلق على كل ما هو جدير باهتمام المرء وعنايته لاعتبارات اقتصادية أو سيكولوجية أو اجتماعية او أخلاقية أو جمالية.
  • ملكة الفهم: حسب كانط، وظيفة الذهن التي تتلخص في ربط المحسوسات بعضها ببعض بواسطة المقولات.
  • العقل العملي: حسب كانط هو العقل الأخلاقي للذات الانسانية، يحكمه مبدأ الواجب كمصدر للمبادئ والقواعد الأخلاقية القبلية الموجهة للسلوك الانساني بما ينسجم ومبدأ الخير الأسمى.
  • الكرامة: هي جوهر الذات الأخلاقية ومصدر شعورها بكونها ذات متميزة تستوجب التقدير والاحترام بوصفها غاية في ذاتها وليس وسيلة.
  • الإنسان باعتباره ظاهرة من ظواهر الطبيعة (الخصائص الجسمانية كالقوة والجمال) أوكحيوان عاقل ( لفظ حيوان مرادف للكائن الحي)، ليست له إلا قيمة مبتذلة (نفعية)؛
  • إذا كان الإنسان ككائن عاقل، يسمو على جميع الكائنات الأخرى، وقادرا على تحديد غايات لنفسه، فهو مع ذلك لا يكتسب إلا قيمة خارجية نفعية مادام قابلا للمفاضلة والتقييم بسعر، أو يتخذ كوسيلة لتحقيق غايات الآخرين؛
  • إذا اعتبرنا الانسان ذاتا لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر، وسنقدره باعتباره غاية في ذاته، مادام يمتلك كرامة الشيء الذي يرغم كل الكائنات الآخرى على احترام ذاته، ويتبادل معها الاحترام ذاته على أساس المساواة.
  • لا ينبغي للشخص ان يبحث عن غايته بطريقة منحطة، ولا ينبغي عليه ان يتخلى عن كرامته، بل يجب عليه أن يحافظ على الخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي (يملك كرامة تستوجب معاملته كغاية في ذاته…)

« تنظر الفلسفة الأخلاقية الكانطية إلى الشخص باعتباره كائن عاقل وأخلاقي، يحتل مكانة سامية ومرتبة عليا في الوجود. وعلى خلاف مواضيع الطبيعة التي لا تملك إلا قيمة نسبية مشروطة بالمنفعة، يمتلك الشخص قيمة مطلقة يستمدها من ذاته الأخلاقية وعقله العملي وكرامته، فهو ذات وليس موضوع، وغاية في ذاته وليس وسيلة. هذا ما يفرض النظر إلى الشخص كذات واجبة التقدير والاحترام، والتعامل معه بنظرة أخلاقية تراعي جانبه الانساني وكرامته كقيمة مطلقة. يقول “كانط”: “تصرف على نحو تعامل معه الانسانية في شخصك، كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس مجرد وسيلة بتاتا »

خلافا للتصور الكانطي المثالي الذي يحصر قيمة الشخص في ذاته وعقله الأخلاقي، سعى غوسدورف إلى ربط هذه القيمة بالواقع، حيث يرى أن قيمته لا تتحدد في مجال الوجود الفردي المنغلق على الذات والمعزول عن المجتمع، بل يستمدها من أشكال التضامن الانساني والمشاركة الاجتماعية والانفتاح على الغير، ولذلك فإن الأخلاق الملموسة هي التي تجعل الشخص يخرج من ذاته اتجاه العالم والآخرين، يشترك معهم ويتضامن، ومنه فقيمته لا تتحدد إلا بالانفتاح على الآخرين والمشاركة معهم، حيث يؤمن بأن الحياة منح وعطاء بقدر ما هي أخذ. وهكذا فقيمة الشخص تنبع من خارج الذات، ومشروطة بالمشاركة مع الآخرين في اطار الحياة الاجتماعية كمجال للتعبير عن الأخلاق الفعلية للشخص.

« في نفس سياق التصور الكانطي ينظر “إمانويل مونيي” إلى الانسان من حيث هو شخص،  لا من حيث هو (كائن) موضوع فإذا كان الانسان يشترك في الكينونة أي الوجود مع الأشياء والحيوانات، فهو يتميز عنها  بالشخصنة (اكتساب مزايا شخصية بشكل مستمر) أي بكونه شخصا، والشخص لا يكون كذلك إلا إذا تميز بالوعي والإرادة والتجاوز، أي تجاوز مستوى الوجود المادي الحيواني، فهو ليس وسيلة أو أداة بل هو قيمة مطلقة يتطلع إلى ذاته عن طريق إبداع شروط وجود متميز باعتباره وعي وكرامة وحرية »

« إن الشخص كما حدده كانط بالرغم من قيمته الأخلاقية، يظل سجين نظرة تجريدية لا تأخذ بعين الاعتبار الشروط الواقعية التي يعيشها الشخص، من هنا يرى هيجل أن الشخص يكتسب قيمته الأخلاقية من انفتاحه على الآخرين، ومن ضرورة امتثاله للواجب وانخراطه في روح شعبه من خلال تبني قيمه الحضارية وأخلاقياته العامة. فكل شخص وحسب المكانة التي يحتلها في المجتمع، هو مطالب بالمشاركة والمساهمة في الروح العامة للشعب بالقيام بدوره والمهام التي أسندت إليه، وبفعل هذا الانخراط تذوب ذاتية الفرد لكي يصبح وجوده تشاركيا »

« ينطلق الفيلسوف الأمريكي راولز في تحديده لقيمة الشخص من خلال عضويته في المجتمع وانفتاحه على الآخرين والتزامه بالقيم والمبادئ الأخلاقية العامة . فالشخص إذن هو كائن حر تتحد هويته بالحرية ، وبالتحديد في المجتمعات الديموقراطية يعتبر المواطنون أشخاصا احرارا ومتساوين في الحقوق والواجبات ، ولا يمكن ان نميز بعضا عن البعض إلا من خلال مهاراتهم وكفاءاتهم. إن الشخص إذن حسب “راولز” لا تتحد قيمته إلا من خلال النظر إليه كائن أخلاقي لديه حس بالعدالة وشعورا بالخير يدفعه إلى المساهمة في بناء عادل وخير أساسه التعاون الإجتماعي »

وفي سياق تناول الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية لطبيعة قيمة الشخص، يتبين من جهة أن الانسان يوجد كذات أخلاقية حاملة لقواعد وقيم ومبادئ أخلاقية تعتبر مصدرا لقيمة الشخص، وهو الأمر الذي يمنح الانسان قيمة مطلقة بغض النظر عن كل اختلافاته (الجنس، اللون، العرق، الانتماء الطبقي والجغرافي والديني…) . كما يتبين من ناحية أخرى ان الانسان يوجد أيضا كذات اجتماعية تشارك في الحياة الاجتماعية بتجسيد قيم التعاون والتضامن والغيرية والانفتاح على الواقع المعيش والمشترك بشكل فعلي ملموس، مما يعني أن قيمة الانسان تتحدد بالوضع الاجتماعي والواقعي.

أنظر محور: هوية الشخص

زر الذهاب إلى الأعلى