محور التجربة والتجريب | مفهوم النظرية والتجربة | مجزوءة المعرفة
محور (1) التجربة والتجريب
يتأسس حقل المعرفة العلمية على وجود ترابط وثيق بين النظرية والتجربة، ذلك أن دراسة الظواهر العلمية لا تخضع للعفوية و الإعتباطية وإنما للدقة المنهجية والصرامة الموضوعية. لذا هناك فرق كبير بين التجربة والتجريب.
تحيل «التجربة» على مجال الواقع كمعطى حسي ومادي ملموس، قابل للملاحظة والإدراك، كما تعتبر ملاحظة عامية ترتبط بالخبرة الذاتية وبالإدراك الحسي الطبيعي. في حالة الإعتماد على التجربة من منطلق حسي مباشر، فهي تشكل عائقا إبيستيمولوجيا يحول دون تكون المعرفة العلمية وسير تقدمها. أما التجريب فهو تفكير نظري يقوم على خطوات منهجية مضبوطة بغية التحقق من صدق وصحة الفرضيات. لكن العلماء يختلفون في طبيعة التجريب وعلاقته بالواقع والعقل مما يثير طرح التساؤلات التالية :
ما دلالة كل من التجربة والتجريب؟ وبأي معنى يشكل التجريب أساسا لبناء النظرية العلمية؟ وهل للتجريب علاقة فقط بما هو واقعي، أم يمكن تجاوز ذلك إلى ما هو خيالي ذهني وافتراضي؟
1. مفهوم التجربة والتجريب:
خطاطة توضيحية لعلاقة النظرية العلمية بالتجربة والتجريب:
2. التجريب المِخبري الواقعي:
تصور عالم البيولوجيا “كلود بيرنار” : (المنهج التجريبي)
- ما هي خطوات المنهج التجريبي؟ وما دوره في التحقق من صحة الفرضيات وبناء المعرفة العلمية؟
بالنسبة لـ «كلود بيرنار» فإن «بناء المعرفة» العلمية يتوقف على «التجريب العلمي»، بشكل يتكامل فيه البعد العقلي النظري مع البعد التجريبي الواقعي، أي أن التجريب العلمي، يقتضي استيفاء شرطين أساسيين من أجل التوصل إلى الحقيقة العلمية. أولا: توفر العالم على فرضية عقلية يخضعها للفحص التجريبي، وثانيا: دقة وموضوعية ملاحظاته للوقائع، وهذا لا يتحقق إلا باتباع خُطوات منهجية دقيقة وصارمة تتمثل في الملاحظة والفرضية والتجربة المخبرية ثم القانون، ولنا في التجربة المخبرية التي أجراها كلود بيرنار على «بول الأرانب» مثالا واضحا عن نجاعة المنهج التجريبي في صيغته المخبرية الواقعية من أجل التحقق من صحة الفروض العقلية واكتشاف القوانين المتحكمة في الظواهر، ومن ثمة بناء المعرفة العلمية.
(…) يثبت العالم البيولوجي “كلود بيرنار” فعالية المنهج التجريبي ودوره في الكشف عن القوانين المتحكمة في الظواهر، مبرزا أن المنهج التجريبي أداة فعالة لدراسة الظواهر الطبيعية، واكتشاف القوانين المتحكمة فيها، وهو منهج يقوم على عدة خطوات إجرائية هي: الملاحظة، الفرضية، التجربة، ثم القانون (…) أي ملاحظة الظاهرة، ثم صياغة فرضية كتفسير مؤقت للظاهرة، إجراء التجربة للتحقق من صحة الفرضية، وأخيرا استنتاج القانون المتحكم في الظاهرة (…)
تجربة كلود بيرنار على بول الأرانب:
مفاهيم المنهج التجريبي أو التجريب المخبري الواقعي:
يميز «ألكسندر كويري»بين التجربة والتجريب، ويعتبر أن «التجربة» بالمعنى الخام، باعتبارها معطى تتقبله الذات بشكل مباشر، ومجالا للخبرة الحسية العادية والملاحظة العامية، لم تساهم في تقدم العلم وتطوره، بل شكلت عائقا أمام بناء المعرفة العلمية مادامت تفتقد إلى الدقة والموضوعية، لذلك وجب تجاوزها. وكمثال على ذلك عندما اعتمد الانسان على التجربة الحسية في فهم بعض الظواهر الفلكية للمجموعة الشمسية، بدت له الشمس تتحرك، مما جعله يستنتج أن الأرض ثابتة وهي مركز الكون، ويلاحظ أن الاعتماد على التجربة بهذا المعنى الخام والساذج أسقط الانسان في أخطاء غبية، معتقدا لقرون عديدة، أن الأرض هي مركز المجموعة الشمسية. أما التجريب باعتباره المساءلة المنهجية والرياضية لظواهر الطبيعة، فهو ممارسة منهجية وتفكير نظري وعملي منظم، ساهم في نشأة النظريات العلمية وتطورها، وفي هذا السياق يؤكد «ألكسندر كويري» على الأهمية الكبيرة لإنتاج «جاليلي» حيث دشن طريقة جديدة في البحث العلمي، هي التي تسمى بالمنهج التجريبي.