مجزوءة السياسةمفهوم الدولة

المحور الثاني (2) طبيعة السلطة السياسية | مفهوم الدولة | مجزوءة السياسة

المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية


عندما نفكر في طبيعة سلطة الدولة والأساس الذي تقوم عليه، نجد أن كل ممارسة سياسية لأي شكل من أشكال الدول، إلا وتستند على إحدى أشكال السلطة، وفي هذا الباب يميز المشتغلون في الحقل السياسي بين شكلين متقابلين ومتعارضين من أشكال ممارسة السلطة السياسية:

فإما ترجح الدول كفة القوة والعنف والمكر والدهاء السياسي في الحكم وفرض الطاعة والنظام، وإما تلجأ للأساليب الديموقراطية القائمة على مبدأ الحق والقوانين العادلة، أخذا بعين الاعتبار الإرادة العامة للأفراد والمواطنين وحقهم في التعبير والإختيار، ناهيك عن هذا، قد تتخذ سلطة الدولة أيضا صورة من الوسطية والاعتدال حيث لا تغليب للقوة والعنف على حساب الحق والقانون. وهكذا، يبدو أننا بصدد إشكالية فلسفية قائمة على تقابل فلسفي، يمكننا بسطها والتعبير عنها في ضوء الأسئلة الفلسفية التالية:


السلطة : هي القدرة التي يتوفر عليها فرد أو جماعة من خلال امتلاك مجموعة من الاجهزة والأدوات، فتمارس تأثيرها على الآخرين وتوجه تصرفاتهم وتتحكم في واقعهم ومصيرهم، وقد تكون السلطة مبنية على القوة والعنف، أو على العُرف والعادة أو على مبادئ الديموقراطية.

السلطة السياسية : هي الهيئة التي تباشر السيادة والحكم، أي أنها سلطة الدولة التي تمارس من خلال مختلف الأجهزة والمؤسسات السياسية الاجتماعية. وقد دعا المفكر الفرنسي “مونتيسكيو” (1689-1755) إلى إقامة نوع من التوازن بين ممارسة السلطة السياسية وحرية المواطن؛ وهذا يقتضي، في نظره، ضرورة الفصل بين ثلاث أنواع من السلط، هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

ويمكن أن نقيس مدى اقتراب كل مجتمع من النظام الديموقراطي الحق بمدى الفصل الذي يقيمه بين هذه السلط، غير أن الواقع يكشف أن ممارسة السلطة السياسية قد لا ينفصل عن ممارسة العنف والإكراه والمكر والخداع، تحت غطاء حماية وتدبير الشأن العام.


أطروحة نيكولا ماكيافيلي | السلطة السياسية صراع مصالح متعارضة

يدافع ميكيافيلي عن أطروحة مفادها أن السلطة السياسية التي يمتلكها الأمير يجب أن تصدر عن قوة القانون وعن سلطة القوة، ذلك أن الحكم لايمكن أن يستقيم إلا إذا أتقن الأمير دور الثعلب والأسد، أي سياسة الدهاء والقوة مادامت كل السبل مشروعة في تحقيق الوحدة

يؤكد “ماكيافيلي” على أن مجال السياسة هو مجال صراع مصالح متعارضة بين الأفراد والجماعات، وأن رجل السياسة (الأمير) في ممارسته للسلطة والحكم يلزمه أن يكون قويا وذكيا، بل وماكرا، يستخدم كافة الوسائل المتاحة لديه، المشروعة وغير المشروعة للتغلب على كل خصومه وأعدائه وبلوغ غاياته. إن عظمة الأمير وعظمته، حسب “ماكيافيلي”، لا تتأسس على الاستقامة والأمانة والوفاء بالعهود التي فيها ضياع مصلحته، ذلك أن الأمراء العظماء لم يصبحوا كذلك إلا لأنهم لم يصونوا العهد إلا قليلا، وأثروا على عقول الناس بالمكر والخداع. ولذلك يدعو، “ماكيافيللي” الأمير إلى المزاوجة بين طريقتين في الحكم: الأولى تتأسس على القوانين، والثانية ترتكز على القوة؛ وعليه في تصرفاته أن يقلد الثعلب في مكره والأسد في قوته، وأن يعرف كيف يبطش ويُخادع، وفي نفس الوقت يعرف كيف يخفي هذه الصفات.


أطروحة عبد الرحمان ابن خلدون | السلطة السياسية توسط واعتدال

إن احتكام السلطان للعنف والبطش أوممارسة الخداع والمكر على رعيته معناه فساد أحوال الدولة .وبالمثل فإن احتكامه إلى ملكة الاعتدال بين القوة والذكاء، بين الترهيب والترغيب، وإصلاح الأحوال باليقظة وحسن السلوك إنما يعبر عن اعتدال وتوسط محمود ينبغي على الحاكم الاتصاف به.

إن مجال السياسة ليس دائما مجال صراع وتناقض بين الحاكم والمحكوم، بل بالإمكان أن يكون مجال نُبل وأخلاق وتوازن، لذلك يدعو “ابن خلدون” إلى أن علاقة السلطان برعيته يجب أن تقوم على الرفق والاعتدال والحكمة؛ ذلك أن العلاقة الصالحة والعادلة فيها مصلحة الطرفين، ومن أجل هذا يؤكد هذا المفكر أنه يجب أن تتوفر في السلطان، باعتباره رجل سياسة، خصال إنسانية توصف بالاعتدال وتكون غير مذمومة. إن صلاح السلطان ومصلحة الرعية فيه لا تكمن في خصائصه الذاتية (الجسمية والفكرية)، بل في جودة ملكته وصلاحيتها وعدم تعسفها. وحسن الملكة يعود إلى الرفق، ذلك أن الملك لا ينبغي أن يكون قاهرا وباطشا، لأن ذلك يترتب عنه خوف الرعية وذلهم وفساد أخلاقهم، وربما خذلانهم له في مواطن الحرب؛ بل يجب أن يكون رفيقا بهم لينا معهم ليكسب محبتهم. ولهذا فإن رجل السياسة عليه أن يحرص على التوسط والاعتدال، برفق وحكمة.


أطروحة ألان تورين | سلطة الدولة يجب أن تتأسس على الديموقراطية واحترام الحقوق المدنية

قوة الديموقرطية رهنية بقدرتها على حمل السلطة السياسية على احترام منظومة حقوق الإنسان وتوسيع دائرتها.

ينتقد السوسيولوجي الفرنسي المعاصر “ألان تورين” طبيعة السلطة السياسية القائمة على القوة والعنف، معتمدا في ذلك على مفاهيم عدة كالديموقراطية والحقوق الفردية المدنية والاجتماعية والثقافية، مؤكدا ان السلطة السياسية يجب أن تتخذ صيغة الديموقراطية، وذلك بالحرص على احترام الحقوق المدنية من جهة والحقوق الاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، وبمواجهة السلطة المطلقة، أي سلطة الاستبداد العسكري وسلطة الحرب الواحد، وبوضع حدود أمام الفردانية المطلقة. ولذلك فإن الديموقراطية هي التي تسمح للسلطة السياسية بالانفتاح على الشروط المعيشية وتحسينها، وذلك من خلال تركيزها على مبادئ ثلاثة هي : الاعتراف بالحقوق الأساسية للأفراد والتي ينبغي احترامها، وصفة التمثيل الاجتماعي للقادة وسياساتهم، والوعي بالمواطنة .إن السلطة السياسية ترتكز على الديموقراطية وتجنب السقوط في الفردانية والإطلاقية، وضمان الحقوق الأساسية للإنسان.


خطاطة تركيبية طبيعة السلطة السياسية

أطروحة مونتيسكيو

يميز مونتيسكيو بين ثلاث وظائف للدولة، وهي: السلطة التشريعية السلطة التنفيذية ثم السلطة القضائية. كما يقر مبدأ الفصل بين هذه السلط كأساس لقيام العدالة وضمانا لحقوق المواطنين.

أطروحة ألتوسير

يتحدد موقف ألتوسير من خلال تمييزه بين نوعين من الأجهزة التي تحكم بها الدولة، النوع الأول ويتمثل في جهاز عياني “الجيش والشرطة والسجون” أما النوع الثاني فيرتبط بجهاز أكثر تكتما تسرب الدولة من خلاله إيديولوجيتها الخاصة، وفي هذا الإطار يمكن إدراج المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية.


مفاهيم محور طبيعة السلطة السياسية

الأجهزة الإيديولوجية للدول: مجموعة من المؤسسات تمتلك سلطة وتمارسها وفق القناعات الإيديولوجية للدولة، وتخضع لمبدأي التوجيه والإخضاع.


القوانين: مجموع القواعد الإلزامية الموضوعة من طرف سلطة عليا بهدف تنظيم الحياة الإجتماعية.


القوة: نمط من أنماط الحكم ويقوم على العنف، ذلك أن الدولة تمارس القوة المستبدة من خلال تشريعائها ومؤسساتها وأجهزتها. 


السياسة: هي فن إدارة وتدبير أحوال الناس وفق نمط من التوجيه والإخضاع.


القانون: قاعدةالزامية، موضوعة من طرف سلطة عليا، وظيفتها تنظيم العلاقات الإنسانية داخل مجتمع معين والقانون.


العقد الإجتماعي: يرتبط المفهوم بنظرية اجتماعية سياسية، تعتبر أن النظام الإجتماعي يتحقق بموجب اتفاق إرادي بين الإفراد المكونين له للخروج من حالة الطبيعة


الطور الطبيعي: أو حالة الطبيعة، هي حالة افتراضية، اختلف بخصوصها أصحاب “نظرية العقد الإجتماعي”، وقد اعتبرها “جون لوك” حالة حرية ومساواة تامة بين الأفراد.


الديمقراطية: هي حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال مشاركة الجمع في تدبير الشأن السياسي.


حقوق الإنسان: يشير المفهوم إلى مختلف الحقوق التي يتمتع بها الإنسان والتي أقرتها الإتفاقيات والمواثيق الدولة، حسب معجم . لالاند هو ما يكون مسموحا به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى