مفهوم النظرية والتجربة
تقديم مفهوم النظرية والتجربة
إذا كان الإنسان يتحدد بقدرات إدراكية عقلية وحسية، فهو ذات عارفة، مُنتجة للمعرفة في علاقته بـ موضوع المعرفة. ولعل من أرقى أشكال المعرفة التي أنتجها الإنسان، تلك المتعلقة بمجال الطبيعة، وهي المعرفة العلمية التي يُعَبَّرُ عنها داخل الأنساق النظرية للعلوم الطبيعية (الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا، الجيولوجيا…) أي المعرفة المتعلقة بظواهر الطبيعية، والتي تُصاغ في إنشاءات فكرية يُصطلح عليها بالنظريات العلمية، تَصف وتُفسر كيفيات حدوث ظواهر الطبيعة التي توجد ضمن نطاق تخصصها، بمعرفة أسبابها والقوانين المتحكمة فيها.
إن حقل المعرفة العلمية ليس مجالا للعفوية والعشوائية وإنما هو حقل للتنظيم والبناء والترتيب، فالعالِم قبل أن يتوجه إلى الطبيعة لدراستها، لا بد له من التسلح بإطار نظري قبلي وهو ما يسمى بالنظرية، وهذه الأخيرة لابد أن تدخل في حوار مع التجربة.
يرتبط لفظ ” نظرية ” Théorie في الدلالة اللغوية ( سواء العربية أو الفرنسية ) بالنظر أي بحاسة البصر ، أما من الناحية الفلسفية والعلمية فالأمر مختلف تماما، ذلك أن النظرية لا ترتبط إطلاقا بما هو حسي بل ترتبط بالعقل، أوكما يعرفها “أندري لالاند” في معجمه الشهير : ” النظرية إنشاء تأملي ( عقلي ) للفكر يربط نتائج بمبادئ ”.
إنها عبارة عن نسق فكري منظم، بواسطة مفاهيم ومبادئ وقوانين، تربطها علاقات منطقية صارمة، تُوظف لفهم أسرار الطبيعة، وفهم أسباب وكيفيات حدوث ظواهرها في عالم التجربة، معبرة عن معرفة موضوعية بأحداث ووقائع الطبيعة.
إذا كانت النظرية ترتبط بالعقل والفكر، فإن التجربة Experience ترتبط بما هو حسي ، ونميز في التجربة بين معنين :
معنى عام : وهو الذي نطلق عليه لفظ التجربة Expérience ويعني الخبرة أو المهارة التي يراكمها الإنسان العادي في مجال عملي معين، أي أنها ترتبط بمجال الممارسة العملية في مختلف أوجهها، فنقول مثلا هذا الرجل صاحب تجربة سياسية أو مهنية أو فنية أو عاطفية … وهذا المعنى العام لا صلة له بالعلم .
معنى خاص: وهو المرتبط بالمعرفة العلمية ومجاله هو المختبر العلمي ، ونطلق عليه لفظ التجريب Expérimentation ويعني إعادة إنشاء أو إحداث ظاهرة ما في المختبر بعدما تمت ملاحظتها في الواقع، ويتم هذا الإحداث وفق شروط دقيقة ومضبوطة ويتطلب أدوات وتقنيات خاصة ؛ ولذلك فقد يكون جميع الناس أصحاب تجربة لكن العالِم وحده من يستطيع أن يقوم بالتجريب . فما التجربة إذن ؟ وما النظرية ؟ وما طبيعة العلاقة بينهما ؟ ومن منهما يحكم الآخر ؟
يدل لفظ النظرية في الدلالة العامة على التفكير أو الحكم أو الرأي الذي يُعبر عنه بالقول في مقابل الممارسة (المعنى الأرسطي) | وفي لسان العرب لابن منظور «النظرية هي طلب علم من علم، وهي ترتيب أمور بالانتقال من المعلوم إلى ما ليس معلوما» |
وفي المعجم الفلسفي ل “أندي لالاند” يعرفها بأنها «إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ» وتقابل الممارسة والتطبيق / المعرفة العامية/ الحس المشترك / المعرفة اليقينية/المعارف الجزئية/المعرفة الانطباعية | كلمة Théorie الفرنسية مشتقة من اللاتينية théoria التي تعني الملاحظة والتأمل العقلي. |
أما النظرية العلمية، فهي تُعرَّف باعتبارها نسقا من المبادئ والقوانين والمفاهيم يُنظم معرفتنا بمجالات خاصة، ويضمن هذا النسق بناء منطقيا له مكوناته، ويخضع لنظام فرضي استنباطي، يسمح للعالم بالانتقال من عنصر إلى عنصر وفق تراتب منطقي صارم.
أما التجربة فهي تشير في دلالتها الفلسفية العامة، إلى الوجود المادي الواقعي كمعطى قابل للإدراك والملاحظة والإختبار، فهي مصدر للملاحظات والوقائع والمعطيات الحسية، ومنه تعتبر أساسا لدراسة الظواهر الطبيعية ومنطلقا لبناء النظرية العلمية
محاور درس النظرية والتجربة
- ما علاقة النظرية العلمية بالتجربة والتجريب؟
- ما هي أسس العقلانية العلمية؟
- ما معايير علمية النظريات العلمية؟