هناك ثلاثة أسس للمشروعية. هناك أولا سلطة «الأمس الأزلي» أي سلطة العادات والتقاليد التي تكرسها صلاحيتها العتيقة ، وعادة احترامها المتجذرة في الإنسان. وتلك هي السلطة التقليدية التي كان الأب الأكبر أو الشيخ يمارسها في الماضي. ...
ثانيا ، هناك السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما. وهي سلطة تتميز بتفاني الرعايا تجاه القضايا التي يدعو لها هذا الإنسان الملهم أو المتميز أو المتمتع في نظرهم بصفات خارقة ، وببطولات نادرة وبالميزات الأخرى التي تجعل منه زعيما متميزا. هذه هي السلطة اللَّدُنِيَّةُ (الكَارِزْمِيَّة) التي كان يتمتع بها الأنبياء ويمارسونها. وفي المجال السياسي يمارسها رئيس أركان الحرب المنتخب أو العاهل الملهم ، أو الديماغوجي الكبير أو زعيم الحزب السياسي.
ثالثا ، هناك أخيرًا السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية ، أي بفضل الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع وكفاءة إيجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية. فهي السلطة القائمة على أساس الامتثال للواجبات والالتزامات المطابقة لقوانين النظام القَائِمِ. وهذه هي السُّلطة كما يمارسها «خادِمُ الدَّولة» الحَدِيثَةِ وكلُّ الذين يمسِكُونَ بزِمام السلطة والذين يعملون في هذا الإطار معه.
إن الدوافع القوية جدا ، المحكومة بالخوف أو بالأمل هي التي تشرط امتثال الأفراد إما خشية من إنتقام القوى السحرية أو من الممسكين بزمام السلطة ، أو الأمل في مكافأة دنيوية أو في العالم الآخر. لكن يمكنها أن تكون مشروطة أيضًا بمصالح أخرى متنوعة جدا … مهما يكن من أمر ففي كل مرة نتساءل فيها عن الأسس التي تجعل الامتثال مشروعًا نصادف دوما هذه الأشكال الثلاثة ( الخالصة) التي أشرنا إليها لتونا.
إن هذه التمثلات ، وتبريرها الداخلي أيضًا ، تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لبنية السيطرة. من المؤكد أننا لن نصادف في الواقع هذه النماذج في شكلها الخالص إلا نادرًا جدًا.»
ماكس فيبر ، رجل العلم ورجل السياسة ، ترجمة نادر ذكرى ، بيروت ، دار الحقيقة ، 1982 ، ص ص . 47-48. (بتصرف).
مفاهيم النص
المشروعية : مجموع الأسباب والإعتقادات التي تُبرر امتثال وتقبل مجموعة بشرية لسلطة الدولة الممارسة عليها، ومنها تستمد الدولة أحقيتها في ممارسة الحكم وتدبير الشأن العام.
السلطة :
الدولة : تعبير عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع