محور التجربة والتجريب | مفهوم النظرية والتجربة | مجزوءة المعرفة
يتأسس حقل المعرفة العلمية على وجود ترابط وثيق بين النظرية والتجربة، ذلك أن دراسة الظواهر العلمية لا تخضع للعفوية و الإعتباطية وإنما للدقة المنهجية والصرامة الموضوعية. لذا هناك فرق كبير بين التجربة والتجريب.
تحيل «التجربة» على مجال الواقع كمعطى حسي ومادي ملموس، قابل للملاحظة والإدراك، كما تعتبر ملاحظة عامية ترتبط بالخبرة الذاتية وبالإدراك الحسي الطبيعي. في حالة الإعتماد على التجربة من منطلق حسي مباشر، فهي تشكل عائقا إبيستيمولوجيا يحول دون تكون المعرفة العلمية وسير تقدمها. أما التجريب فهو تفكير نظري يقوم على خطوات منهجية مضبوطة بغية التحقق من صدق وصحة الفرضيات. لكن العلماء يختلفون في طبيعة التجريب وعلاقته بالواقع والعقل مما يثير طرح التساؤلات التالية :
ما دلالة كل من التجربة والتجريب؟ وبأي معنى يشكل التجريب أساسا لبناء النظرية العلمية؟ وهل للتجريب علاقة فقط بما هو واقعي، أم يمكن تجاوز ذلك إلى ما هو خيالي ذهني وافتراضي؟
يميز «ألكسندر كويري»بين التجربة والتجريب، ويعتبر أن «التجربة» بالمعنى الخام، باعتبارها معطى تتقبله الذات بشكل مباشر، ومجالا للخبرة الحسية العادية والملاحظة العامية، لم تساهم في تقدم العلم وتطوره، بل شكلت عائقا أمام بناء المعرفة العلمية مادامت تفتقد إلى الدقة والموضوعية، لذلك وجب تجاوزها. وكمثال على ذلك عندما اعتمد الانسان على التجربة الحسية في فهم بعض الظواهر الفلكية للمجموعة الشمسية، بدت له الشمس تتحرك، مما جعله يستنتج أن الأرض ثابتة وهي مركز الكون، ويلاحظ أن الاعتماد على التجربة بهذا المعنى الخام والساذج أسقط الانسان في أخطاء غبية، معتقدا لقرون عديدة، أن الأرض هي مركز المجموعة الشمسية. أما التجريب باعتباره المساءلة المنهجية والرياضية لظواهر الطبيعة، فهو ممارسة منهجية وتفكير نظري وعملي منظم، ساهم في نشأة النظريات العلمية وتطورها، وفي هذا السياق يؤكد «ألكسندر كويري» على الأهمية الكبيرة لإنتاج «جاليلي» حيث دشن طريقة جديدة في البحث العلمي، هي التي تسمى بالمنهج التجريبي.