مفهوم الرغبة | تقديم المفهوم | مجزوءة الانسان
تعرفنا من خلال المفهوم السابق “الوعي واللاوعي” أن سلوك الانسان لا يصدر دائما عن وعي شفاف دائم الحضور في تجربة كل واحد منا، ولا تحكمه إرادة عقلية واعية فحسب، بل توجهه أيضا دوافع لا واعية، وتحركه أهواء ورغبات لاشعورية. فالانسان ليس كائنا ثقافيا واعيا فقط، بل هو أيضا كائن ذو أبعاد طبيعية، (بيولوجية فيزيولوجية) ونفسية لاشعورية تجعله كائنا منفعلا وراغبا في علاقته بموضوعات العالم الخارجي، وبمتطلبات ذاته ومحيطه الطبيعي والاجتماعي.
فوجوده ورضاه عن ذاته وسعادته، وشعوره بالتوازن النفسي، وانخراطه الإيجابي في الحياة، كل هذا يتوقف على ما يرغب فيه ويسعى إلى تحقيقه. غير أن تحقيق الرغبة ليس بالأمر اليسير، فبين الرغبة وإشباعها عوائق وصعوبات يفرضها الواقع، ويستدعي الأمر تجاوزها بفعل الجهد والإرادة. أما عدم إشباعها فيحدث داخل الفرد قلقا أو توترا، في حين يمنحنا إشباعها شعورا بالمتعة والارتياح والسعادة.
ومنه فالرغبة تقيم في أعماق الذات الانسانية، وما الانسان إلا ذات راغبة. فهي تحيل من جهة على مجال الميولات والانفعالات الصادرة عن النفس والجسد، ومن ناحية أخرى لها علاقة بوعي الانسان وإرادته، يتداخل فيها ما هو فطري طبيعي وما هو مكتسب وثقافي، أما ما يميزها في جوهريتها أنها، تخضع لمبدأ اللذة والألم نظرا لارتباطها بالجانب الانفعالي.
تعمل الرغبة إذن على توجيه جزء كبير من سلوكاتنا وتدفعنا لتحقيق التوازن النفسي والتكيف السليم مع الوسط الاجتماعي. كما أنها قد تكون مصدرا لسعادتنا أو شقائنا، فرحنا أو قلقنا وتوتراتنا، إنها ذات طبيعة مركبة وغامضة تطرح جملة من الإشكالات الفلسفية سنأتي على معالجتها في إطار علاقتها بمفاهيم “الحاجة” و”الإرادة” و”السعادة”. ومن جملة هذه الأسئلة نذكر ما يلي:
- ما الرغبة؟ وما طبيعتها؟
- ما علاقة الرغبة بالحاجة؟ وهل يمكن للحاجة أن تتحول إلى رغبة؟
- ما علاقة الرغبة بالإرادة؟ هل نعي رغباتنا ونخضعها للإرادة والواقع؟
- ما علاقة الرغبة بسعادة الانسان؟ هل تتوقف سعادة الإنسان على إشباع رغباته؟