مفهوم الوعي واللاوعي

المحور الثالث (3) الإيديولوجيا والوهم | مفهوم الوعي واللاوعي | مجزوءة الانسان

الطرح الإشكالي لقضية: الإيديولوجيا والوهم

تتألف كلمة الإيديولوجيا l’ideologie من ، فكرة = Idéé ، وعلم = logie ، وبذلك تدل من حيث الشتقاق اللغوي على “علم الأفكار”، وظهر هذا المفهوم للوجود في عصر الأنوار الذي عرف حدوث تغيرات سياسية واجتماعية ودينية كنتيجة لتأثر عقول الناس بأفكار عصرهم.

وكان أول من أطلق هذا الإسم هو المفكر الفرنسي “ديستوت ديتراسي Destutt de Tracy” فقصد بالإيديولوجيا “علم الأفكار، بالمعنى الواسع لكلمة أفكار، أي مختلف الحالات الشعورية. لكن بعد ذلك ذاع صيت هذا المفهوم في الوسط الفكري والسياسي وأصبح يعني من ضمن ما يعنيه، تصور فكري للكون والطبيعة والإنسان يتأثر بالانتماء الفكري والطبقي للأفراد.

أما الوهم l’illusion فهو يطلق من جهة على الخداع الحسي، وهو عبارة عن خطأ يصيب الإدراك ويطلق من جهة أخرى على الأفكار والتمثلات التي ليس لها مقابل في الواقع، ويعتبر الوهم  مقابلا للخطأ l’erreure الذي يمكن اكتشافه وتصحيحه. وبعد هذا التحديد لدلالة المفاهيم المؤطرة لمضمون هذا المستوى، ننتقل إلى الإشكال المركزي المتفرع عنها:


تحليل نص وظائف الإيديولوجيا لـ “بول ريكور” ص 20

“نص بول ريكور، وظائف الإيديولوجيا”

نص جون بيير شونجو الوعي نشاط عصبي فيزيولوجي

أقترح معالجة ثلاثة استعمالات أساسية لمفهوم الإيديولوجيا، يرتبط كل واحد منها بمستوى معين من العمق، في عمل هذا المفهوم:

1 – ينطلق الاستعمال الأول لمعنى الإيديولوجيا، كاختلال وتشويه للواقع، وهو المعنى الشائع لكلمة إيديولوجيا الذي انتشر بين العموم، بفضل كتابات ماركس ...


صاحب النص

“بول ريكور” فيلسوف وعالم لسانيات فرنسي معاصر، ويعد رائد التيار التأويلي، عاش ما بين العامي (1913-2005) “من مؤلفاته “التاريخ والحقيقة” ” الزمن والحكي”


تأطير نص “بول ريكول” وإشكاله

بالانفتاح على مضمون النص، يتضح أن “بول ريكور” يقدم مقاربة تأويلية لمفهوم الوعي بخلفية نظرية ماركسية، تربط الإيديولوجيا بالوعي المغلوط.  فهل يتأسس الوعي على إعطاء صورة حقيقية عن الواقع، أم ان الإيديولوجيا ووظائفها تعمل على تشويه الواقع وتزييفه؟

مفاهيم النص

  • التشويه : هو إنتاج صورة معكوسة عن الواقع وقلب حقائقه وأشياءه حتى تبدو في صورة مخالفة لما هو الأمر عليه في الواقع.
  • التبرير : هو التعليل وخلق الأعذار وجعل الأمر المبرر يبدو مشروعا ومقبولا في نظر الوعي الاخر، كتبرير احتكار سلطلة سياسية او نفوذ اجتماعي وجعلها تبدو امرا مشروعا ومصادقا عليه.
  • السلطة : هي القدرة التي يمتلكها فرد او جماعة والتي تمكن من توجيه الأفراد داخل المجتمع باستخدام اجهزة وأدوات تمكن من التحكم في مصيرهم وتوجيههم ذهنيا وسلوكيا، وتنطوي السلطة على الإكراه والخضوع فيكون من الصعب ان يتخلص الفرد من جبروتها، بل في بعض الحالات لا نشعر بوجودها لأنها تمارس علينا بطريقة غير مباشرة.
  • الإدماج : يقوم على تذويب شخصية الأفراد في هوية جماعية تعكس الإنتماء لحياة الجماعة استنادا إلى خصائص مشتركة توحد بينهم كالعرف واللغة والدين والأحداث التاريخية المشتركة.
  • الهوية : هي الوحدة والتشابه المميزة لافراد المجتمع الواحد في خصائصهم وسماتهم، وهي ما تجعلهم مختلفين عن غيرهم، وغالبا ما تنتمي الهوية على عناصر مشتركة كبرى توحدهم كالدين والغة والعرق والإطار الجغرافي.

أطروحة النص

الإيديولوجيا وعي زائف، يقلب الحقائق ويشوهها، وذلك من خلال وظائفها التي تشتغل بمستويات مختلفة بواسطة آليات التشويه والتبرير والإدماجن وهي آليات منتجة للوهم والخداع.

حجاج النص

لإقناعنا بأطروحته هذه، ساق “بول ريكور” مجموعة من الأفكار شكلت الهيكل الاستدلالي لأطروحته، استهلها باقتراح ثلاث استعمالات لمفهوم الإيديولوجيا، يرتبط كل واحد منها بمستوى معين من العمق.

المستوى الأول: ارتبط بكتابات “كارل ماركس”، حيث تعني الإيديولوجيا لديه اختلال وتشويه للواقع، فيكتسب الأفراد بناء على ذلك وعيا زائفا يُعبِّر عن الواقع بشكل مقلوب، ولتوضيح عملية القلب هذه قدم مثال العلبة السوداء الموجودة في الآلات الفوتوغرافية، فهذه العلبة تنقل الأشياء الموجودة في الخارج لكن بشكل مقلوب، وهذا يتماثل مع أمر الإيديولوجيا التي تنتج صورة معكوسة عن الواقع.

المستوى الثاني: يرتبط بالمعنى الأول، فالإيديولوجيا في تزييفها وتضليلها تتميز بكونها وعيا تبريريا، فهي تبرر وجود الطبقة المسيطرة على المجتمع، وتمنح افكارها طابع الكونية والشمولية، فهي إذن لا تعبر عن الواقع بطريقة واضحة وشفافة، بل بطريقة غامضة وضبابية، بحيث إنها تسمي الأشياء بغير أسمائها، وفي ذلك تبرير للواقع الاجتماعي للمحافظة عليه.

المستوى الثالث: يرتبط بوظيفة الإدماج، فبواسطة الإيديولوجيا تتشكل الذاكرة الجماعية، والهوية الخاصة بالجماعة وتميزها عن باقي الجماعات البشرية الأخرى، وعبر الإيديولوجيا تخلد تلك الجماعات احتفالاتها وذكرياتها الأساسية.


نص كارل ماركس : الإيديولوجيا والوهم

اعتبر كارل ماركس الإيديولوجيا جزءا أساسيا من الواقع الاجتماعي، فهي تشمل الإنتاج الروحي والعقلي للمجتمع بمختلف أشكاله وصوره، كالدين والفن والحقوق والنظريات السياسية والأخلاق والفلسفة، إنها بتعبير آخر “البنية الفوقية” التي تعبر عن المستوى الذي يوجد عليه المجتمع من حيث البنية السفلى” أي درجة تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج  وبالتالي لا يمكن تحليل وعي الناس بمعزل عن علاقته بوجودهم الاجتماعي وفي هذا الصدد يقول “كارل ماركس” ليس الوعي هو الذي يحدد الحياة الاجتماعية، بل الحياة الاجتماعية هي التي تحدد الوعي”

نص “فريديريك نيتشه” ما الذي يفسد الوعي في حياة الإنسان؟

أطروحة نيتشه الإيديولوجيا والوهم

يؤكد “نيتشه” في بداية نصه أن الوعي لم يكن نافعا وضروريا إلا ضمن علاقات الناس بعضهم ببعض، خصوصا بين الآمرين والمطيعين، ويوضح ذلك بأن أفعال الناس وأفكارهم، ومشاعرهم وحركاتهم الواعية ليست إلا استجابة لأوامر الآمرين (الأقوياء والمستبدين،) أي المسيطرين عبر التاريخ.  فالوعي ليس إلا تعبيرا عن حاجة الضعفاء إلى الحفاظ على بقائهم وحماية وجودهم من بطش الأقوياء وجبروتهم، وبناء على ذلك، ليس وعي الانسان إلا انعكاسا للأوهام التي أبدعها العقل الانساني والمتمثلة في القيم والمعايير الأخلاقية التي لجأ إليها الضعفاء للتضليل والتوهيم وإخفاء الحقيقة باستخدام لغة المجازات والاستعارات الخطابية الساحرة لردع الأقوياء في معركة الصراع من أجل البقاء. هكذا نستنتج مع نيتشه كما أكد ذلك “عبد الله العروي” أن الإيديولوجيا مجموع الأوهام والتعليلات والحيل التي يعاكس بها الإنسان/الضحية قانون الحياة.


تعليق واحد

  1. احسن موقع لمادة الفلسفة ، شكراً جزيلاً لكم على مجهوداتكم الجبارة ❤️🥺
    بالتوفيق للجميع 🍒✨💓

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى