المحور الأول (1) | الرغبة والحاجة | مفهوم الرغبة | مجزوءة الإنسان
المحور الأول: الرغبة والحاجة
سنعالج في هذا المستوى، علاقة الرغبة بالحاجة، وقبل أن نتبين طبيعة هذه العلاقة، تجدر الإشارة إلى دلالة ما نعنيه بكل من هذين المفهومين. فما دلالتهما الفلسفية؟
الرغبة: le désir هي النزوع أو الميل لموضوع ما، واقعيا كان او متخيلا، والذي يمثل امتلاكه من طرف الذات مصدر متعة وارتياح.
أما الحاجة le besoin فهي حالة من النقص والعوز والافتقار، تنتاب الكائن الحي بما فيه الانسان وتؤدي في حالة عدم تلبيتها إلى اختلال توازن البنية العضوية الحية، يكون هذا الإختلال مصحوبا بتوتر وضيق لا يزول ولا يُعاد التوازن للكائن الحي إلا بتلبية حاجاته.
وتنقسم الحاجات إلى أنواع: نذكر منها، الحاجات البيولوجية: كالحاجة إلى الطعام والماء والأكسجين. وحاجات نفسية، كالحاجة إلى الأمن والتقدير الذاتي، وفي سياق العلاقة بين هذين المفهومين يمكننا رصد الإشكال التالي:
ما الحاجة؟ وما الرغبة؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بينهما؟ هل هي علاقة استمرارية أم قطيعة؟ وهل تتحول الحاجة إلى رغبة؟ وما طبيعة هذه الرغبة؟ نفسية أم اجتماعية ثقافية؟
تحليل نص ميلاني كلاين ” من الحاجة إلى الرغبة” ص 30
يرغب الطفل الرضيع في جعل ثدي أمه دائم العطاء ودائم الحضور، ولا يتعلق الأمر في علاقة الطفل بثدي أمه – بالحاجة إلى الطعام فقط، ذلك أن الطفل يرغب أيضا في التخلص من دوافعه التدميرية ومن قلقه الاضطهادي، فعند تحليلنا لشخصية الراشد نجد لديه هذه الرغبة في أم قادرة على القيام بكل شيء، وأن تحمي ذاته من كل المعاناة والشرور، التي يكون مصدرها من داخل الذات أو من خارجها … ...
إشكال النص:
ما طبيعة كل من الحاجة والرغبة؟ وكيف يمكن للحاجة البيولوجية أن تتحول إلى رغبة نفسية لاشعورية؟
مفاهيم النص:
•الدافع: هو حالة داخلية جسمية أو نفسية تحرك سلوك الانسان حتى تصل إلى غايتها أو هدفها، فالانسان الجائع مثلا يبحث عن الطعام حتى يجده، حيث الدافع هو الجوع، والطالب يسهر الليالي بدافع الرغبة في النجاح.
•الإحباط: شعور نفسي يتولد عن الإحساس بالإخفاق والفشل.
•الإعلاء: تحويل الرغبات المحبطة من موضوعها الأصلي إلى موضوع بديل ذو قيمة ثقافية او اجتماعية
•الأنا: تحيل إلى الفرد الناطق بضمير المتكلم أنا، وهي الذات العاقلة والمفكرة والواعية التي تشعر بوحدتها وهويتها في استقلال عن الغير.
أطروحة نص، رالف لنتون، من الحاجة إلى الرغبة
كجواب على هذا الإشكال تذهب ميلاني كلاين إلى القول « إن العلاقة بين الرغبة والحاجة هي علاقة امتداد نفسي لاشعوري تحكم حياة الفرد مستقبلا، وتعمل على فتح الطريق للأنشطة الإبداعية» ولإقناعنا بأطروحتها هذه قدمت كلاين مجموعة من الأفكار شكلت الهيكل الاستدلالي الحجاجي لأطروحتها، استهلتها بالحديث عن علاقة الطفل الرضيع بثدي أمه، هذه العلاقة لا تقف عند حدود إشباع الحاجة البيولوجية المتمثلة في الطعام بل تمتد إلى الرغبة في التخلص من كل ما يمكن أن يهدد كيان الطفل كرضيع وكراشد أيضا، كرغبته في التخلص من القلق والمعاناة والشرور التي تنتابه في لحظة ضعف ، فيجد في الأم الخلاص والحماية والدفء اللازم لمعاناته وتوتره المادي والنفسي.
إشكال النص:
ما طبيعة كل من الحاجة والرغبة؟ وكيف يمكن للحاجة البيولوجية أن تتحول إلى رغبة اجتماعية ثقافية؟
تحليل عناصر الأطروحة
ولتوضيح موقفها تدعونا ميلاني كلاين إلى ملاحظة الطرق الحديثة في إرضاع الطفل والتي تتراوح بين تلك التي تكون أقل ضبطا لزمن الإرضاع، وبين تلك التي تشدد عليه.
في الحالة الأولى يصعب على الطفل أن يحقق جميع رغباته ومطالبه ويتخلص من دوافعه التدميرية ، بسبب عجز الأم عن الإستجابة الفورية لتلك المطالب.
أما في الحالة الثانية فالأم تسعى بما تملكه من جهد لإشباع طلبات رضيعها كلما دعاها إلى ذلك ، عبر عملية البكاء، لكنه كما تقول «كلاين» يدرك لاشعوريا قلقها من كثرة الإهتمام به فيتعمق لديه نفس القلق، ولتقديم الدليل على هذا القول تدعونا «ميلاني كلاين» إلى الاستماع معها لشكوى بعض الراشدين الذين عبروا عن رغبتهم في أم دائمة الحضور إلى جانبهم، فهم في نظرها لم يعيشوا لحظة البكاء الفاصلة بين الرغبة وإشباعها، وبهذا حرموا من فرص التفريغ والتنفيس عن قلقهم الاضطهادي ودوافعهم التدميرية، فلازمتهم تلك الرغبة في الظفر بمثل هذه الأم وامتدت مع سنوات حياتهم.
وتستنتج ميلاني كلاين من هذا الوضع «أن عملية إحباط رغبة الطفل غير المبالغ فيها ، يمكن أن يكون حافزا على تكيفه السليم مع المحيط الخارجي، وأيضا على تفجير الأنشطة الإبداعية، لأنه يستوعب جيدا مفهوم الواقع، و يدرك ويعي بأنه لا يعمل على تحقيق رغباتنا بشكل فوري مما يضطره إلى تجنيد كل قدراته ومواهبه لتحقيق التوازن والتكيف السليم مع الواقع.
نخلص من هذا التحليل لمضمون النص، بأن العلاقة بين الرغبة والحاجة هي علاقة امتداد نفسي لاشعوري ، تحكم حياة الفرد في المستقبل ، وأن الصراع بين الرغبة وإشباعها هو أساس إنضاج الشخصية وتفجير كل الطاقات الإبداعية الكامنة فيها.
نص ” رالف لنتون ” الرغبة والحاجة
من أهداف استعمال الملابس في المناطق التي نعيش فيها حماية الجسم من درجات الحرارة المنخفضة، ولذا يمكن القول بأن الملابس تؤدي وظيفتها استجابة لإحدى حاجات الفرد البيولوجية. غير أن هذه الحاجة موسمية. إن الملابس ضرورة بيولوجية في فصل الشتاء، ولكنها غير ضرورية، بل مزعجة، في فصل الصيف في المناطق شبه الاستوائية، وعلى الرغم من ذلك نرتدي الملابس طوال السنة، والتغيير الوحيد الذي ندخله عليها ينحصر في ثقل هذه الملابس والمادة المصنوعة منها. وسبب ذلك هو أن مركب الملابس قد اكتسب عددا من الوظائف التي لا ترتبط من قريب أو بعيد بالحاجة البيولوجية الأساسية، ولا تتأثر بتغير درجة الحرارة من فصل إلى آخر. … ...
أطروحة رالف لنتون، من الحاجة إلى الرغبة
يؤكد رائد الأنثروبولوجيا الثقافية “رالف لينتون” من خلال كتابه “دراسة الإنسان” على أن ثقافة المجتمع، أي كل ما اكتسبه الانسان كعضو داخل المجتمع من عادات وتقاليد وقيم أخلاقية ودينية لها دور في تحويل الحاجة البيولوجية إلى رغبة اجتماعية وثقافية مقدما في هذا السيق مثال الملابس.
فإن كان استعمال الملابس من طرف الإنسان هو عبارة عن استجابة طبيعية لإحدى حاجات الفرد البيولوجية المتمثلة في حماية الجسم من درجات الحرارة المنخفضة، وإن كانت هذه الحاجة تقل في المناطق شبه الاستوائية نظرا لارتفاع درجة الحرارة إلى مستوى لا يقبل معها الانسان أن يضيف أي شيء على جسمه، لكن رغم ذلك فهو يرتدي الملابس طيلة السنة. وهذا يدفع في نظر صاحب النص الى التساؤل عن مغزى هذا التشبت بمركب الملابس، ويجيب على أن هذا الأمر لا يرجع في أساسه الى رغبة ذات طبيعة بيولوجية أو نفسية وإنما الى رغبة اجتماعية مقترنة بالثقافة، حيث تلعب الملابس عدة وظائف، أخلاقية ترتبط بالعفة والتودد وصيانة قيم الحشمة وكبت الرغبات الجنسية، واجتماعية تعرف الناس بالمنزلة الاجتماعية وبعض الأدوار الاجتماعية، إضافة إلى أنها توفر للفرد منفذا للميول الجمالية حيث تساعد الفرد في الرغبة في الحصول على إعجاب زملائه.
merci