المحور الثاني (2) العدالة كأساس للحق | مفهوم الحق والعدالة | مجزوءة السياسة
تمهيد للمحور:
إذا كان الحق يروم إقرار العدالة، فإن القانون قد لا يرقى دائمـا إلـى ذلـك الطموح، وهذا ما يفسر كيف أن ما هو قانوني قد لا يكون بالضرورة حقا، ويفسر كذلك وجود قوانين قد تعتبر جائرة. وهذا يعني أن الحق لا يختزل دائما في ما هو قانوني، بل هو ما يتوخى إقرار العدالة. من هذا المنطلق يتعين التفكير في العلاقة بين العدالة والحق، وما يمثله كل واحد منهما بالنسبة للآخر:
فما علاقة العدالة بالحق؟ وأيهما أساس للآخر؟ و هل يمكن اعتبار العدالة أساسا للحق، أم أن الاحتكام إلى الحق هو الذي يحدد ما هو عادل و ما هو غير عادل؟
أطروحة “باروخ سبينوزا” نص رقم 3 ص165
يعرض “سبينوزا” تصوره للحق والعدالة في إطار منظوره التعاقدي و تنظيره لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الحديثة، معتمدا في ذلك على مجموعة من المفاهيم كالديمقراطية و القانون المدني و الإنصاف والمساواة. فما علاقة الحق بالعدالة في نظر اسپینوزا؟
يؤكد اسبينوزا أن غاية السلطة السياسية الديمقراطية هي تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء والإبقاء عليهم بقدر الإمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام و سلام”. ذلك أن تفويض كل فرد لحقه الطبيعي ولحريته المطلقة للحاكم، يجعله ملزما باحترام القانون المدني الذي يسنه هذا الحاكم ويسهر على تطبيقه. والقانون المدنى، حسب اسبينوزا، هو حرية الفرد في المحافظة على حالته كما حددتها وضمنتها له مراسيم السلطة العليا. وبهذا المعنى، يكون حق الفرد هو ما يكون بالإمكان الاستفادة منه طبقا للقانون المدني. في حين أن العدالة هي “استعداد دائم للفرد لأن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقا للقانون المدني. وبذلك تكون العدالة هي إنصاف الأفراد والمحافظة بقدر متساو على حق كل واحد منهم.
استنتاج: إن الحق، باعتباره قائما على القانون المدني، هو أساس العدالة فالعدالة تجسيد للحق وتحقيق له ولا وجود لعدالة خارج الحق الذي تضمنه قوانين الدولة. المساواة
أطروحة “ألان” النص رقم 4 ص 166
يؤكد الفيلسوف الفرنسي “ألان” (1868-1951) أن المساواة أساس للحق. فصلاحية عقد تجاري مثلا إنما تتأسس على مراعاته لحقوق كل الأطراف على قدم المساواة: فالحق، في :نظر هذا الفيلسوف، وجد للتصدي للامساواة و بهذا فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية”، على اعتبار أن المساواة هي ذلك الفعل الذي نعامل به الناس بشكل متساو في جميع مجالات الحياة، بغض النظر عن تفاوتهم واختلافهم في السن أو الجنس أو المعرفة أو غيرها. إن العدالة، باعتبارها قوانين يتساوى أمامها كل الناس، هي أساس الحق، فالعدالة والحق لا يمكن الحديث عنهما في غياب المساواة
استنتاج حول المحور الثاني
نستنتج في نهاية هذا المحور أن هناك ارتباطا وثيقا بين مفهومي الحق والعدالة فالحديث عن أحدهما يقتضي بالضرورة الحديث عن الآخر، وكل واحد منهما يمكن أن يشكل أساسا للآخر.