مفهوم الوعي واللاوعي

المحور الثاني (2) الوعي واللاوعي

تقديم إشكالي لمحور : الوعي واللاوعي

حظي مفهوم الوعي بمكانة متميزة في الفلسفة الحديثة، خاصة مع الفيلسوف الفرنسي “روني ديكارت” الذي أكد من خلال “الكوجيطو” = “أنا أفكر، فأنا موجود” أن الذات شيء يفكر ووجودها يتوقف على التفكير، لذلك لا يمكن أن يكون شيء في الفكر دون أن تكون الذات على وعي به، لكن ابتداء من الفلسفة المعاصرة سيحتل هذا المفهوم مكانة لدى الفلاسفة والعلماء من خلال إثارة إشكالية العلاقة بين الوعي واللاوعي وأهمية كل منهما في تحديد الذات الإنسانية، من هنا نتساءل:

تحليل نص “فرضية اللاشعور” لسيجموند فرويد Sigmund Freud (في رحاب الفلسفة ص 18) :

نص”فرضية اللاشعور”

فرضية اللاشعور إن من الجوهري أن لا نبالغ في تقدير خاصية الشعور قبل أن يصبح في مستطاعنا أن نكون أي رأيا صحيحا في نشأة ما هو نفسي. ومن الواجب أن نفترض أن اللاشعور هو الأساس العام للحياة النفسية. فاللاشعور هو أوسع منطقة التي تضم بين جوانبها منطقة الشعور التي هي أضيق نطاقا… فاللاشعور هو الواقع النفسي الحقيقي، وهو في طبيعته الباطنة مجهول عندنا، نجهله قدر جهلنا بحقيقة العالم الخارجي، كما أنه لا يمثل لنا بواسلة معطيات الشعور إلا مثولا ناقصا على نحو ما يمثل العالم الخارجي بواسطة رسائل أعضائنا الحسية.

فأما وقد تقلص التقابل القديم بين الحياة الشعورية و حياة الحلم إلى أبعاده الصحيحة، بإثبات الوجود النفسي اللاشعوري، فإن عددا من مشكلات الحلم التي كانت تستغرق من الكتاب السابقين اهتماما عميقا، يفقد الآن كل قيمته: مثال ذلك بعض الأفعال التي كان النجاح في أدائها في الحلم مثارة للعجب: إننا لن نعزوها، بعد الآن، إلى الحلم ذاته، بل إلى التفكير اللاشعوري الذي يعمل أيضا في النهار مثلما يعمل في الليل. وإذا بدا أن الحلم يلهو بتصوير الجسد تصويرا رمزيا، فنحن نعلم، أن هذه التصويرات نتاج صَدَرَ عن تخييلات لا شعورية معينة تتفرع، في الراجح، عن اندفاعات جنسية، ولا تفصح عن نفسها في الأحلام وحدها بل في المخاوف الهستيرية وغيرها من الأمراض كذلك. وإذا واصل الحلم أعمال النهار وأتمها…

فكل ما نحتاج إليه هو أن ننزع هنا قناع الحلم الذي هو نتيجة عمل الحلم … إن لهذا النشاط الشعوري ميزة كثيراً ما ضللتنا: فهو حيثما أدلى بدلوه أخفى علينا كل نشاط سواه.


“سيجموند فرويد”، تفسير الأحلام، ترجمة مصطفى صفوان ، دار المعارف بمصر ، بدون تاريخ، صفحات 594-595 (بتصرف)


أسئلة موجهة لقراءة النص:

  1. كيف كان يُنظر للحياة النفسية سابقا؟ وما الإضافة النوعية التي قدمها “فرويد”؟
  2. ما خصائص اللاشعور؟
  3. ما تمظهرات اللاشعور في سلوك الإنسان؟

عناصر الأطروحة:

  • يرفض فرويد أن نبالغ في تقدير خاصية الشعور مادام لايوجد فهم صحيح للحياة النفسية، وتأكيده في المقابل على منح الإعتبار للحياة اللاشعورية التي تعتبر بمثابة الواقع النفسي الحقيقي للإنسان.
  • إن الحلم كظاهرة نفسية، هو نتاج لنشاط لاشعوري.  صادر عن تخيلات لاشعورية منتجة لتصويرات رمزية
  • التفكير اللاشعوري يعمل في النهار (حياة الشعور) كما يشتغل بالليل (الحلم نفسه)،
  • يتمظهر الشعور من خلال الاندفاعات الجنسية أو بالمخاوف الهستيرية وغيرها من الأمراض والإضطرابات النفسية الأخرى.
  • إن النشاط الشعوري، نشاط مضلل يخفي أكثر مما يكشف.

إشكال النص:

ما الذي يتحكم في الحياة النفسية للانسان، الشعور أم اللاشعور؟

البنية المفاهيمية للنص:

  • الشعور: منطقة من مناطق الجهاز النفسي للإنسان تضم الظواهر النفسية الواعية والمدركة بشكل مباشر (الأفكار – التمثلات – والإنفعالات) وهي تسعى إلى الحفاظ على توازن الحياة النفسية عبر التوفيق بين الرغبات اللاشعورية والدوافع الفطرية وبين المتطلبات الأخلاقية والإجتماعية، وهو جزء انفصل عن اللاشعور بفضل الإحتكاك بالواقع .
  • اللاشعور: وهو منطقة من مناطق الجهاز النفسي، يضم الظواهر النفسية غير الواعية، كالدوافع الفطرية والرغبات المكبوتة والخبرات والتجارب الأليمة. وهي تسعى إلى إشباع رغباتها  وتصريف طاقاتها دون اعتبار للمتطلبات الأخلاقية والإجتماعية وهي منطقة تشكل الأساس والواقع الحقيقي للحياة النفسية لانسان.
  • الحلم: نشاط نفسي يحدث للانسان أثناء النوم بسبب انخفاض النشاط الحسي الحركي والذهني للوعي ويعتبر من وجهة نظر التحليل النفسي تعبير رمزي عن رغبات ومخاوف لاشعورية.
  • الرمزية: هي نشاط فكري تمثلي يتم من خلاله استبدال الموضوع الأصلي، بموضوع آخر بديل، كأن نرمز للقوة بالأسد أو للعدالة بالميزان، والرمزية في الحلم هي نتاج لعمل اللاشعور الذي يقوم باستبدال عناصر الموضوع الأصلي للحلم برموز بديلة.

أطروحة النص:

تأكيد “فرويد” أن “اللاشعور” كمظهر من مظاهر اللاوعي، هو الواقع النفسي الحقيقي وأساس وأصل الحياة النفسية للإنسان، وأنه أوسع منطقة من مناطق الجهاز النفسي، حيث يضم مجموعة من الظواهر النفسية اللاواعية مثل المخاوف الهيستيرية  الأحلام ..مما يؤكد تأثيره على الذات والحياة النفسية للإنسان.

حجاج النص:

اعتمد صاحب النص في بناء أطروحته على مجموعة من الآليات الحجاجية أبرزها آلية النفي من خلال نفي الشعور كأساس للحياة النفسية وتأكيده في المقابل أن اللاشعور هو الواقع النفسي الحقيقي، وفي رفضه وتأكيده اعتمد آلية المقارنة من خلال المقارنة بين الشعور واللاشعور كما وظف أيضا آلية التفسير من خلال توضيح أن الحلم هو تعبير رمزي لاشعوري يخفي رغبات لا يفصح عنها الشعور مباشرة. وأخيرا آلية الإستنتاج من خلال استنتاج أن النشاط الشعوري يتميز بميزة التضليل.


“نقد فرضية اللاشعور”

نقد فرضية اللاشعور يطرح لفظ اللاشعور نوعا من الصعوبة. ومن المهم أن نفهم كيف تخيل علم النفس هذه الشخصية الأسطورية. إذ من الواضح أن آلية العمل تفلت من الشعور، وتمنحه نتائج تفتقر إلى معاني العلية (مثلا حالة الخوف). وفي هذا الاتجاه تعتبر الطبيعة الإنسانية لاشعورية بقدر ما تكون الغريزة لا شعورية، ولنفس الأسباب. لكننا لا نقول أبدا إن الغريزة لا شعورية. والسبب هو أنه لا يوجد أمامها شعور حيواني تعكس عليه آثارها (…).

وتعتبر الفرويدية فن إبداع الحيوان المخيف داخل كل واحد منا، بناء على علامات عادية جدا. من هذه العلامات الأحلام، فالناس يفسرون أحلامهم دائما بوضع نظام رمزي وسهل. إلا أن فرويد يتلهى كثيراً بإظهار أن تلك الرمزية السهلة توقعنا في الخطأ، وأن رموزنا شيء غير مباشر (…).

يعتبر الإنسان غامضا بالنسبة لنفسه، وهذا هو ما ينبغي معرفته. لكن هنا لابد من تجنب الكثير من الأخطاء التي قامت على أساس لفظ اللاشعور. ومن أخطر هذه الأخطاء الاعتقاد أن اللاشعور هو أنا آخر، أي أنا له أحكام مسبقة، وأهواؤه وحيله، ملاك شرير أو ناصح شيطاني. إن ما ينبغي فهمه -كرد على ذلك هو أنه لا توجد فينا أفكار سوى ما تمنحنا إياه الذات الفاعلة، أي الشخص المتكلم


آلان، مبادئ الفلسفة ، غاليمار 1985، ص : 155 (فريق تأليف الكتاب المدرسي في رحاب الفلسف)


أطروحة ألان « إميل شارتيي»

يرى «ألان» منتقدا فرضية اللاشعور التي تبناها فرويد، أنها تبالغ في تفسير السلوك الإنساني، مرتكبة مجموعة من الأخطاء في نظره، بالإعتمادا على علامات عادية جدا كالأحلام، لذلك فألان يرى أن اللاشعور مجرد شخصية أسطورية من تخيل علم النفس، وهو ليس أنا آخر له أحكامه وأهواؤه وحيله، أو كيان مستقل عن سلطة الذات، بل ما ينبغي فهمه أنه لا توجد فينا سوى الأفكار التي تمنحنا إياها الذات الفاعلة والمفكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى